فصل: تفسير الآية رقم (70):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (70):

{لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بما لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ (70)}
{لَقَدْ أَخَذْنَا ميثاق بَنِى إسراءيل} كلام مبتدأ مسوق لبيان بعض آخر من جناياتهم المنادية باستبعاد الإيمان منهم، وجعله بعضهم متعلقًا بما افتتح الله تعالى به السورة، وهو قوله سبحانه: {أَوْفُواْ بالعقود} [المائدة: 1] ولا يخفى بعده. والمراد بالميثاق المأخوذ العهد المؤكد الذي أخذه أنبياؤهم عليهم في الإيمان حمد صلى الله عليه وسلم واتباعه فيما يأتي ويذر، أو في التوحيد وسائر الشرائع والأحكام المكتوبة عليهم في التوراة. {وَأَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ رُسُلًا} ذوي عدد كثير وأولي شأن خطير، يعرفونهم ذلك. ويتعهدونهم بالعظة والتذكير ويطلعونهم على ما يأتون ويذرون في دينهم.
{كُلَّمَا جَاءهُمْ رَسُولٌ بما لاَ تهوى أَنفُسُهُمْ} أي بما لا تميل إليه من الشرائع ومشاق التكاليف، والتعبير بذلك دون بما تكرهه أنفسهم للمبالغة في ذمهم، وكلمة {كُلَّمَا} كما قال أبو حيان: منصوبة على الظرفية لإضافتها إلى ما المصدرية الظرفية وليست كلمة شرط، وقد أطلق ذلك عليها الفقهاء وأهل المعقول، ووجه ذلك السفاقسي بأن تسميتها شرطًا لاقتضائها جوابًا كالشرط الغير الجازم فهي مثل إذا ولا بعد فيه، وجوابها كما قيل قوله تعالى: {فَرِيقًا كَذَّبُواْ وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ}. وقيل: الجواب محذوف دل عليه المذكور، وقدره ابن المنير استكبروا لظهور ذلك في قوله تعالى: {أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بما لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُم استكبرتم فَفَرِيقًا} [البقرة: 87] إلخ، والبعض ناصبوه لأنه أدخل في التوبيخ على ما قابلوا به مجيء الرسول الهادي لهم، وأنسب بما وقع في التفصيل مستقبحًا غاية الاستقباح، وهو القتل على ما سنشير إليه إن شاء الله تعالى، فإن الاستكبار إنما يفضى إليه بواسطة المناصبة، وأما في الآية الأخرى فقد قصد إلى استقباح الاستكبار نظرًا إليه في نفسه لاقتضاء المقام، وادعى بعضهم أن في الإتيان بالفاء في آية الاستكبار إشارة إلى اعتبار الواسطة كأنه قيل: استكبرتم فناصبتم {ففريقًا} إلخ، وفيه نظر، والجملة حينئذ استئناف لبيان الجواب، وجعل الزمخشري هذا القول متعينًا لأن الكلام تفصيل لحكم أفراد جمع الرسل الواقع قبل، أي كلما جاءهم رسول من الرسل والمذكور بقوله سبحانه: {فَرِيقًا كَذَّبُواْ} إلخ يقتضي أن الجائي في كل مرة فريقان فبينهما تدافع، وعلى تقدير قطع النظر عن هذا لا يحسن في مثل هذا المقام تقديم المفعول مثل إن أكرمت أخي، أخاك أكرمت لأنه يشعر بالاختصاص المستلزم للجزم بوقوع أصل الفعل مع النزاع في المفعول، وتعليقه بالشرط يشعر بالشك في أصل الفعل، ولأن تقديم المفعول على ما قيل: يوجب الفاء إما لجعله الفعل بعيدًا عن المؤثر فيحوجه إلى رابط، وإما لأنه بتقديم المفعول أشبه الجملة الاسمية المفتقرة إلى الفاء، وقيل: فيه مانع آخر لأن المعنى على أنهم كلما جاءهم رسول وقع أحد الأمرين لا كلاهما، فلو كان جوابًا لكان الظاهر أو بدل الواو، ومن جعل الجملة جوابًا لم ينظر إلى هذه الموانع، قال بعض المحققين: أما الأول: فلأنه لقصد التغليظ جعل قتل واحد كقتل فريق، وقيل: المراد بالرسول جنسه الصادق بالكثير؛ ويؤيده {كُلَّمَا} الدالة على الكثرة، وأما الثاني: فلأنه لا يقتضي قواعد العربية مثله، وما ذكر من الوجوه أوهام لا يلتفت إليها، ولا يوجد مثله في كتب النحو، ومنه يعلم دفع الأخير، وتعقب ذلك مولانا شهاب الدين بأنه عجيب من المتبحر الغفلة عن مثل هذا، وقد قال في شرح التسهيل ويجوز أن ينطلق خيرًا يصب خلافًا للفراء فقال شراحه: أجاز سيبويه والكسائي تقديم المنصوب بالجواب مع بقاء جزمه، وأنشد الكسائي:
وللخير أيام فمن يصطبر لها ** ويعرف لها أيامها الخير يعقب

تقديره يعقب الخير، ومنع ذلك الفراء مع بقاء الجزم، وقال: بل يجب الرفع على التقديم والتأخير أو على إضمار الفاء، وتأول البيت بأن الخير صفة للأيام، كأنه قال: أيامها الصالحة. واختار ابن مالك هذا المذهب في بعض كتبه، ولما رأى الزمخشري اشتراك المانع بين الشرط الجازم وما في معناه مال إليه خصوصًا، وقول المعنى تقتضيه فهو الحق انتهى.
والجملة الشرطية صفة {رُسُلًا} والرابط محذوف أي رسول منهم، وإلى هذا ذهب جمهور المعربين. واختار مولانا شيخ الإسلام أن الجملة الشرطية مستأنفة وقعت جوابًا عن سؤال نشأ من الإخبار بأخذ الميثاق إرسال الرسل كأنه قيل: فماذا فعلوا بالرسل؟ فقيل: كلما جاءهم رسول من أولئك الرسل بما لا تحبه أنفسهم المنهمكة في الغي والفساد من الأحكام الحقة والشرائع عصوه وعادوه، واعترض رحمه الله تعالى على ما ذهب إليه الجمهور من القول بالوصفية بأنه لا يساعده المقام لأن الجملة الخبرية إذا جعلت صفة أو صلة ينسخ ما فيها من الحكم، ويجعل عنوانًا للموصوف وتتمة له، ولذا وجب أن تكون معلومة الانتساب له، ومن هنا قالوا: إن الصفات قبل العلم بها إخبار والإخبار بعد العلم بها أوصاف، ولا ريب في أن ما سيق له النظم إنما هو بيان أنهم جعلوا كل من جاءهم من الرسول عرضة للقتل والتكذيب حسا يفيده جعلها استئنافًا على أبلغ وجه وآكده لا بيان أنه أرسل إليهم رسلًا موصوفين بكون كل منهم كذلك كما هو مقتضى جعلها صفة انتهى.
وتعقبه الشهاب بأنه تخيل لا طائل تحته، فإن قوله سبحانه: {لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِى إسراءيل} إلخ مسوق لبيان جناياتهم والنعي عليهم بذلك كما اعترف به المعترض وهو لا يفيده إلا بالنظر إلى الصفة التي هي مرمى النظر كما في سائر القيود، وأما كونها معلومة فلا ضير فيه فإنك إذا وبخت شخصًا، وقلت له: فعلت كيت وكيت وهو أعلم بما فعل لا يضر ذلك في تقريعه وتعييره بل هو أقوى كما لا يخفى على الخبير بأساليب الكلام، فلا تلتفت إلى مثل هذه الأوهام انتهى، ولا يخفى ما في قوله، وهو لا يفيده إلا بالنظر إلى الصفة إلخ من المنع الظاهر، وكذا جعل ما نحن فيه نظير قولك لشخص تريد توبيخه فعلت كيت وكيت وهو أعلم بما فعل فيه خفاء، والذي يحكم به الانصاف بعد التأمل جواز الأمرين، وأن ما ذهب إليه شيخ الإسلام أولى فتأمل وانصف.
والتعبير بيقتلون مع أن الظاهر قتلوا ككذبوا لاستحضار الحال الماضية من أسلافهم للتعجيب منها ولم يقصد ذلك في التكذيب لمزيد الاهتمام بالقتل، وفي ذلك أيضًا رعاية الفواصل، وعلل بعضهم التعبير بصيغة المضارع فيه، بالتنبيه على أن ذلك ديدنهم المستمر فهم بعد يحومون حول قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، واقتصر البعض على قصد حكاية الحال لقرينة ضمائر الغيبة، وتقدم {فَرِيقًا} في الموضعين للاهتمام وتشويق السامع إلى ما فعلوا به لا للقصر.

.تفسير الآية رقم (71):

{وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَصَمُّوا ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بما يَعْمَلُونَ (71)}
{وَحَسِبُواْ أَلاَّ تَكُونَ فِتْنَةٌ} أي ظن بنو إسرائيل أن لا يصيبهم من الله تعالى بما فعلوا بلاء وعذاب لزعمهم كما قال الزجاج أنهم أبناء الله تعالى وأحباؤه أو لإمهال الله تعالى لهم أو لنحو ذلك، وعن مقاتل تفسير الفتنة بالشدة والقحط، والأولى حملها على العموم، وعلى التقديرين ليس المراد منها معناها المعروف. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي ويعقوب {أَن لا تَكُونُ} بالرفع على {ءانٍ} هي المخففة من الثقيلة، وأصله أنه لا تكون فخفف {ءانٍ} وحذف ضمير الشأن وهو اسمها وتعليق فعل الحسبان بها، وهي للتحقيق لتنزيله منزلة العلم لكمال قوته. و{ءانٍ} بما في حيزها سادّ مسد مفعوليه، وقيل: إن حسب هنا عنى علم، و{ءانٍ} لا تخفف إلا بعدما يفيد اليقين، وقيل: إن المفعول الثاني محذوف أي وحسبوا عدم الفتنة كائنًا، ونقل ذلك عن الأخفش، و{تَكُونُ} على كل تقدير تامة.
وقوله تعالى: {فَعَمُواْ} عطف على {حسبوا} والفاء للدلالة على ترتيب ما بعدها على ما قبلها أي أمنوا بأس الله تعالى فتمادوا في فنون الغي والفساد وعموا عن الدين بعدما هداهم الرسل إلى معالمه وبينوا لهم مناهجه {فَعَمُواْ وَصَمُّواْ} عن استماع الحق الذي ألقوه إليهم، وهذا إشارة إلى المرة الأولى من مرتي إفساد بني إسرائيل حين خالفوا أحكام التوراة وركبوا المحارم وقتلوا شعيا، وقيل: حبسوا أرميا عليهما السلام.
{ثُمَّ تَابَ الله عَلَيْهِمْ} حين تابوا ورجعوا عما كانوا عليه من الفساد بعدما كانوا ببابل دهرًا طويلًا تحت قهر بختنصر أسارى في غاية الذل والمهانة، فوجه الله عز وجل ملكًا عظيمًا من ملوك فارس إلى بيت المقدس فعمره ورد من بقي من بني إسرائيل في أسر بختنصر إلى وطنهم وتراجع من تفرق في الأكناف فاستقروا وكثروا وكانوا كأحسن ما كانوا عليه، وقيل: لما ورث بهمن بن أسفنديار الملك من جده كستاسف ألقى الله تعالى في قلبه شفقة عليهم فردهم إلى الشام، وملك عليهم دانيال عليه السلام فاستولوا على من كان فيها من أتباع بختنصر فقامت فيه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فرجعوا إلى أحسن ما كانوا عليه من الحال، وذلك قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الكرة عَلَيْهِمْ} [الإسراء: 6] ولم يسند سبحانه التوبة إليهم كسائر أحوالهم من الحسبان والعمى والصمم تجافيًا عن التصريح بنسبة الخير إليهم، وإنما أشير إليها في ضمن بيان توبة الله تعالى عليهم تمهيدًا لبيان نقضهم إياها بقوله سبحانه: {ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ} وهو إشارة إلى المرة الآخرة من مرتي إفسادهم وهو اجتراؤهم على قتل زكريا ويحيى وقصدهم قتل عيسى عليهم السلام، وجعل الزمخشري العمى والصمم أولًا: إشارة إلى ما صدر منهم من عبادة العجل، وثانيًا: إشارة إلى ما وقع منهم من طلبهم الرؤية، وفيه أن عبادة العجل وإن كانت معصية عظيمة ناشئة عن كمال العمى والصمم لكنها في عصر موسى عليه السلام، ولا تعلق لها بما حكي عنهم بما فعلوا بالرسل الذين جاءوهم بعده عليه السلام بأعصار، وكذا القول على زعمه في طلب الرؤية على أن طلب الرؤية كان من القوم الذين مع موسى عليه السلام حين توجه للمناجاة، وعبادة العجل كانت من القوم المتخلفين فلا يتحقق تأخره عنها، وحمل {ثُمَّ} للتراخي الرتبي دون الزماني مما لا ضرورة إليه، وقيل: إن العمى والصمم أولًا: إشارة إلى ما كان في زمن زكريا ويحيى عليهما السلام، وثانيًا: إشارة إلى ما كان في زمن نبينا صلى الله عليه وسلم من الكفر والعصيان، وبدأ بالعمى لأنه أول ما يعرض للمعرض عن الشرائع فلا يبصر من أتى بها من عند الله تعالى ولا يلتفت إلى معجزاته، ثم لو أبصره لم يسمع كلامه فيكون عروض الصمم بعد عروض العمى، وقرئ {وَصَمُّواْ ثُمَّ} بالضم على تقدير عماهم الله تعالى وصمهم أي رماهم وضربهم بالعمى والصمم، كما يقال: نزكته إذا ضربته بالنيزك، وركبته إذا ضربته بركبتك.
وقوله تعالى: {كَثِيرٌ مّنْهُمْ} بدل من الضمير في الفعلين، وقيل: هو فاعل والواو علامة الجمع لا ضمير، وهذه لغة لبعض العرب يعبر عنها النحاة بأكلوني البراغيث أو هو خبر مبتدأ محذوف أي العمى والصمم كثير منهم. وقيل: أي العمى والصمم كثير منهم أي صادر ذلك منهم كثيرًا وهو خلاف الظاهر، وجوز أن يكون مبتدأ والجملة قبله خبره، وضعف بأن الخبر للفعلي لا يتقدم على المبتدأ لالتباسه بالفاعل، ورد بأن منع التقديم مشروط بكون الفاعل ضميرًا مستترًا إذ لا التباس فيما إذا كان بارزًا، والتباسه بالفاعل في لغة أكلوني البراغيث لم يعتبروه مانعًا لأن تلك اللغة ضعيفة لا يلتفت إليها، ومن هنا صرح النحاة بجواز التقديم في مثل الزيدان قاما لكن صرحوا بعدم جواز تقديم الخبر فيما يصلح المبتدأ أن يكون تأكيدًا للفاعل، نحو أنا قمت فإن أنا لو أخر لالتبس بتأكيد الفاعل، وما نحن فيه مثله إلا أن الالتباس فيه بتابع آخر أعني البدل فتدبر، وإنما قال سبحانه: {كَثِيرٌ مّنْهُمْ} لأن بعضًا منهم لم يكونوا كذلك.
{والله بَصِيرٌ بما يَعْمَلُونَ} أي بما عملوا وصيغة المضارع لحكاية الحال الماضية استحضارًا لصورتها الفظيعة مع ما في ذلك من رعاية الفواصل، والجملة تذييل أشير به إلى بطلان حسبانهم المذكور؛ ووقوع العذاب من حيث لم يحتسبوا إشارة إجمالية اكتفى بها تعويلًا على ما فصل نوع تفصيل في سورة بني إسرائيل، ولا يخفى موقع {بَصِيرٌ} هنا مع قوله سبحانه: {عَمُواْ}.

.تفسير الآية رقم (72):

{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72)}
{لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ} شروع في تفصيل قبائح النصارى، وإبطال أقوالهم الفاسدة بعد تفصيل قبائح اليهود، وقائل ذلك: طائفة منهم كما روي عن مجاهد، وقد أشبعنا الكلام على تفصيل أقوالهم وطوائفهم فيما تقدم فتذكر {وَقَالَ المسيح} حال من فاعل {قَالُواْ} بتقدير قد مفيدة لمزيد تقبيح حالهم ببيان تكذيبهم للمسيح وعدم انزجارهم عما أصروا عليهم بما أوعدهم به، أي قالوا ذلك، وقد قال المسيح عليه السلام مخاطبًا لهم {يابنى إسراءيل اعبدوا الله رَبّى وَرَبَّكُمْ} فإني عبد مربوب مثلكم فاعبدوا خالقي وخالقكم.
{أَنَّهُ} أي الشأن {مَن يُشْرِكْ بالله} أي شيئًا في عبادته سبحانه أو فيما يختص به من الصفات والأفعال كنسبة علم الغيب. وإحياء الموتى بالذات إلى عيسى عليه السلام {فَقَدْ حَرَّمَ الله عَلَيهِ الجنة} لأنها دار الموحدين، والمراد يمنع من دخولها كما يمنع المحرم عليه من المحرم، فالتحريم مجاز مرسل أو استعارة تبعية للمنع إذ لا تكليف ثمة، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتهويل الآمر وتربية المهابة {وَمَأْوَاهُ النار} فإنها المعدة للمشركين وهذا بيان لابتلائهم بالعقاب إثر بيان حرمانهم الثواب، ولا يخفى ما في هذه الجملة من الإشارة إلى قوة المقتضى لإدخاله النار {وَمَا للظالمين مِنْ أَنصَارٍ} أي ما لهم من أحد ينصرهم بإنقاذهم من النار وإدخالهم الجنة، إما بطريق المغالبة أو بطريق الشفاعة، والجمع لمراعاة المقابلة بالظالمين. وقيل: ليعلم نفي الناصر من باب أولى لأنه إذا لم ينصرهم الجم الغفير، فكيف ينصرهم الواحد منهم؟ا وقيل: إن ذلك جار على زعمهم أن لهم أنصارًا كثيرة، فنفى ذلك تهكمًا بهم، واللام إما للعهد والجمع باعتبار معنى من كما أن إفراد الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها، وإما للجنس وهم يدخلون فيه دخولًا أوليًا، ووضعه على الأول: موضع ضميرهم للتسجيل عليهم بأنهم ظلموا بالإشراك وعدلوا عن طريق الحق، والجملة تذييل مقرر لما قبله، وهو إما من تمام كلام عيسى عليه السلام، وإما وارد من جهته تعالى تأكيدًا لمقالته عليه السلام وتقريرًا لمضمونها.